كتاب متميز

بقلم الدكتور محمد نور رمضان يوسف

أستاذ اللغة العربية في كلية الإلهيات بجامعة أينونو في مدينة ملاطيا بتركيا

آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في جناح الأمانات المقدّسة في متحف قصر طوب قابي بإسطنبول/ حلمي آيدين؛ ترجمة محمد صواش.- ط2.- إسطنبول؛ القاهرة: دار النيل، 1435 هـ، 2014م، 342 ص (من القطع الكبير الفاخر).

هذا الكتاب موضوعه شائق، ومحتواه مدهش، وإخراجه متميّز، وطبعه فاخر، وورقه مصقول ناصع مُذهَّب الأطراف... أما صوره البديعة فنادرة فريدة؛ تشكّلُ لوحات فنية رائعة، يهفو إليها قلب كل مسلم، لما تحمله من معان وآثار تغوص به في عوالم النبوّة وما بقي لها من آثار مادية.

افتتح الكتاب بمقدمة كتبها الأستاذ محمد فتح الله كولن، قال فيها: "إن هذه الآثار التاريخية مرآة صافية تحدّثنا عن معتقدات أجدادنا النقية وإيمانهم العميق وثقافتهم المتسامحة وقيمهم العالية، فنقرأ في وجوه هذه الذكريات العزيزة أخلاق أسلافنا وأحلامهم وآمالهم؛ هؤلاء الرجال الذين نسكب اليوم دموعًا غزيرة لغيابهم، ولا نجد ما نُسرّي به عن همومنا سوى ذكرياتهم.

فما بالك إذا كان بين هذه الذكريات (البردة النبوية الشريفة) التي تذكّرنا بفخر الإنسانية عليه الصلاة والسلام، وبكعب بن زهير بن أبي سُلمى رضي الله عنه صاحب قصيدة (بانت سعاد)، أو تذكرنا بسلاطين المسلمين الذين احتفظوا بها في أجمل مكان من قصورهم طوال قرون وقرون بإجلال كبير وتقدير عظيم حتى حطت رحالها في ديارنا... إن أبناء أمتنا الأوفياء قد عرفوا الأمانات المقدّسة بهذه الأبعاد والمعاني الكريمة، وفهموها بهذا الفهم، فوفّوها حقها من التقدير والإجلال".

رَدِفها تقديم للمؤلّف، أشار فيه إلى أن حبّ الرسول عليه الصلاة والسلام ملأ قلوب أصحابه؛ لذا تعلّقوا به تعلّقًا شديدًا، فحرصوا على اتباع سنته، وتبليع دعوته؛ بل حرصوا على التبرّك بالتقرّب منه والتسابق إلى امتلاك شيء ممّا يخصّه من أدوات وغيرها، كلوائه الشريف وسلاحه وعصاه وكسوته وقدَحه وشعر رأسه المبارك ولحيته الشريفة، واحتفظوا بها تذكّرًا له وتبرّكًا بها، ثم توارثها المسلمون جيلًا إثر جيل... وذكر أن ما جاء في كتب الحديث يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذِن لهم بهذا الصنيع، ولم يعترض على تزاحم الصحابة على التبرّك بقطرات ماء وضوئه وعرقه العطِر وقُصاصات شعره المبارك في حجة الوداع.

إن كثيرًا من هذه الآثار الشريفة لرسول الله، وآثار غيره من الأنبياء العظام، ومقتنيات الصحابة الكرام، وذكريات أخرى لغيرهم من عظماء المسلمين، احتفظ بها خلفاؤهم وأمراؤهم وحُفِظوها بعناية على مرّ العصور؛ لأنهم عدّوها رمزًا للخلافة والحكم.

وزعم المؤلف أنّ هذا الكتاب يتميز عن كتاب (الأمانات المقدّسة) الذي أعدّه تحسين أوز وأصدره باللونين الأبيض والأسود سنة 1953م، ومن ميزاته أنه "أشمل وأضخم كتاب يصدر في هذا الموضوع منذ ذلك الوقت حتى اليوم، وقد تمّ أثناء إعداد الكتاب تتبّع أكثر من 600 أثر من الأمانات المباركة، وقراءة بطاقاتها الواحدة بعد الأخرى للوصول إلى المعلومات السليمة عنها... ويتميز بعرضه بعض الآثار النبوية لأول مرة، مثل النعلين السعيدين للنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، والقدح الشريف، وهو ما يدل على الكمية الهائلة التي يتضمنها متحف قصر طوب قابي من الأمانات المباركة والذكريات الجميلة".

تلا هذه المقدمة مبحث بعنوان (جمع الأمانات المقدّسة في قصر طوب قابي) الذي يكاد يكون مدخلًا إلى الكتاب، تناول فيه الكاتب روايات جمع الأمانات المقدّسة في قصر طوب قابي بإسطنبول، خلاصتها أنّ تواردَ الآثار النبوية الشريفة والمقتنيات المباركة استمر بطرق مختلفة من أماكن متفرقة ابتداءً من عهد السلطان سليم الأول (1512-1520م) حتى نهاية الدولة العثمانية؛ أي حتى بدايات القرن العشرين.

ولعل آخر المقتنيات الشريفة المباركة وصولًا إلى قصر طوب قابي كان من المدينة المنورة عقب الحرب العالمية الأولى، "وذلك أن محافِظ المدينة المنوّرة فخر الدين باشا لما خاف الضياع على الأمانات المباركة والمقتنيات النفيسة الموجودة في الروضة الشريفة المطهرة... بعث بها إلى إسطنبول في موكب كبير...".

يحتوي متحف قصر طوب قابي على 605 قِطَع في جناح الأمانات المقدّسة بحسب ما هو مسجل في قائمة المقتنيات الرسمية للمتحف، وهناك مقتنيات في أقسام أخرى تُعَدّ من الأمانات المباركة أيضًا، مثل قسم الخزانة السلطانية، وقسم السلاح والمكتبة.

ثمّ عُقد مبحث آخر بعنوان (جناح الأمانات المقدّسة وأقسامه)، وفيه أن هذا الجناح وأقسامه تتكون من: دائرة البردة النبوية الشريفة أو جناح الأمانات المقدّسة، وقاعة النافورة (شادِرْوان)، والحجرة الخاصة؛ حجرة مناديل البردة (دَسْتِمال)، وقاعة العرض (عرض خانه)، وخزانة الأمانات (خزانة السلاحدار).

تَبِع هذا المبحث أطولُ أبواب الكتاب وأوسعُها، وهو (الأمانات المقدّسة) الذي انضوى تحته 68 عنوانًا، واستوعب أكثر من مئتي صحيفة من الكتاب (ص53-ص269)، ثم عُرِض عنوانان آخران ضمن هذا العنوان الكبير، هما: السيوف المباركة (ص170-ص 321)، وسيوف الصحابة رضي الله عنهم في قسم السلاح (ص322-ص337).

ومن الأمانات الشريفة المباركة المعروضة في جناح الأمانات المقدّسة في متحف قصر طوب قابي بإسطنبول:

"البردة النبوية الشريفة، اللواء الشريف، نعل السعادة، القدح الشريف، اللحية الشريفة، سيوفه صلى الله عليه وسلم، قوسه، رَباعيته التي كُسِرت في معركة أحد، تراب تيمّمه، الخاتم الشريف، وغيرها من الودائع العائدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى قِدر يُنسَب إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، وعمامة تُنسَب إلى سيدنا يوسف عليه السلام، وعصا منسوبة إلى سيدنا موسى عليه السلام، وسيف يُنسَب إلى سيدنا داود عليه السلام, وشعرة من لحية أبي بكر رضي الله عنه، والمصحف الذي كان يقرأ فيه سيدنا عثمان رضي الله عنه في أثناء استشهاده، وسيوف بعض الصحابة، وقميص السيدة فاطمة الزهراء ونقابها، وبردة سيدنا الحسين، وقطعة من بردته، وعمامته، وبردة الإمام الأعظم أبي حنيفة، وقلنسوة أويس القرني رضي الله عنه، وتاج الشيخ عبد القادر الجيلاني والإمام الشعراني، وأواني مولانا جلال الدين الرومي، وأشياء أخرى عائدة للأنبياء وأقارب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار رجالات الإسلام، والميازيب الذهبية للكعبة المعظّمة، وكذلك المحافظ الفضية والذهبية للحجر الأسود، ومصارع باب التوبة، وأقفال الكعبة ومفاتيحها، وستائرها، وبعض القناديل والمباخر والمعطرات التي استعملت في الكعبة المعظّمة والمسجد النبوي، وما استخدم في ترميم الكعبة من خشب، وحجر، وزجاج، وخزف، وقطع أخرى؛ إضافة إلى أكسية قبر النبي صلى الله عليه وسلّم، وتراب من القبر الشريف، وغبار من الضريح المبارك الذي يُسمَّى بجوهر السعادة، وصناديق، وأدراج، وستائر، وصرر، وأشياء أخرى استخدمت في نقل الودائع المباركة المذكورة، سواء من الكعبة المعظمة، أو المسجد النبوي، أو مصر.

إضافة إلى أغماد السيوف ورحلات للقرآن الكريم، ومكانس كانت تستعمل في خدمة جناح الأمانات المقدّسة، وجواريف، وشموع، وخشب من شجر العود، وصور خطية لخطاطين مشهورين، أو للسلاطين، والحلية الشريفة، وسجادات، ومسابيح، وطاسات من النحاس والفضة، والقناديل، وقلانس لبعص شيوخ الطرق الصوفية، وزجاجات لماء زمزم، وكذلك مصاحف مخطوطة، ونسخ لسورة الأنعام، وقصص الأنبياء، وكتب فقه وتفسير، ودلائل الخيرات... وغيرها من المخطوطات التي نقلت إلى مكتبة البردة الشريفة في متحف طوب قابي، وتباركت الأيدي التي نقلتها، والقلوب التي حفظتها.

وما ذكر أعلاه من الذكريات الطيبة العائدة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سُمِّيت بـ"الأمانات"، وأما العائدة للأماكن المباركة ولكبار رجالات الإسلام فسُمِّيت بــ"التبرّكات"، وأُطلِق على مجموعها اسم الأمانات المقدّسة، أو "الأمانات المباركة".

ومن جميل ما قيل في عرض هذا الكتاب:

  • سجلٌّ يضم بين دفتيه كنوز أعظم إنسان وطئتْ قدماه الشريفتان الأرض.
  • صورة غاية في الجمال للبردة الشريفة تحلي صدر هذا السجل.
  • صور مع شروح وافية لماَ تركه الخلفاء الراشدون من آثار عبر التاريخ.
  • متحف متنقل بالآثار الإسلامية لا يستغني عنه سائح ولا مقيم.
  • قطعة جمالية وفنية رائعة تفخر المكتبات بوجوده بين أهم كتب التراث لديها.

وهذه صور مختارة من السِّفر النادر:

آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في جناح الأمانات المقدّسة في متحف قصر طوب قابي بإسطنبول

آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في جناح الأمانات المقدّسة في متحف قصر طوب قابي بإسطنبول

آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في جناح الأمانات المقدّسة في متحف قصر طوب قابي بإسطنبول